دمشق....طوق الياسمين النضر - ارشيف موقع جولاني
الجولان موقع جولاني الإلكتروني

دمشق....طوق الياسمين النضر
ريما جميل حسون \ بقعاثا - 01\05\2010
اشتقت إليك يا شام، كما اشتاقت الأوتار لنغمات العود، كما اشتقت لأبي وأمي.. حالمة أغفو على صدريهما ورائحة عبق ألجوري الشامي يفوح من حنانهما كنهر بردى بعينيه الممزوجة جراح مبطنة ببصيص أمل، وخدودهم الحمراء الخجلة كضوء القمر في ليلة حالكة بالغربة المقيدة، أغفو وأهفو إليهم تارة وتارة أصحو مستفيقة من غفوتي وتخومي.
أسميت شام... لتبقي على نغمات وأوتار لساني، فعندما دنوت منك اشتممت رائحة المسك والعنبر من جدرانك وطيات حناياك.. ورائحة البن في الزواريب والأركان الدمشقية المعتقة كالنبيذ الأحمر كلما اشتد زمانه زاد ثقله.
وها هو المنثور وشجرة النارنج الشامخة فوق بحيرة الدار التي تغطي ماءها وريقات الفل والياسمين الملون، المصقول بأيد خيطت من ذهب لتزداد بريقا ولمعانا كلما عانقتها الشمس بخيوطها.
وجهك يا شام هو الملاذ الذي يحلم كل منا أن يتجسد فيه، فأنت الأم والأب، حماك الرب وصانك وجارك من كل خطب.. فكلما نظرت إليك ازددت هلعا وهياما وشوقا لغمرتك ولعينيك، وكلما نظرت لثغرك الملحوظ الباسم رأيت بردى ينساب ويتألق بمياهه الفضية الرقراقة ليضفيك بهاءا وعفة وحنانا... فخذني إلى حيث لا أدري واحملني إلى حيث حريتي المكبلة وحط بي بمياهك إلى البعيد القريب... فيا شام كيف أصبحت بعد فرقة دهر؟؟؟ كنت جميلة كاللؤلؤة النادرة على عنق حورية البحر وأصبحت الأجمل كملائكة السماء.
ها هي أناملي تخط الأسطر حاملة في طياتها أجمل الذكريات العائلية وصباحيات الندى وأماسي قاسيون وبردى .
قاسيون كالنسر الحر الشامخ بأعلى رأسه إلى القمة، ليجتاز السحاب ويعانق الشمس، ليرى نور اللوتس ورحيق البنفسج الحزين المبهر، ليكون تاجا يعقد على كل جبين كاللجين، فعيوني لك يا شام حتى ولو باتت بعيدة لا ترمقك، وقلبي ينسج أجمل قصة حب عنك دون أن يتلمسك حتى غدا ينزف حبا وألما ودمعا ودما، أهديك إياهما مجتمعة مع صدى الزمان وزهر الزنبق وحفيف الأشجار... وها أنا اعتذر منك يا أنبل روح سكنت في جسدي المتواري مثل شهر أيلول، تساقطت كل أوراقه الصفراء على جنبات الطريق، فراح الهواء يتلاعب بها كيفما يشاء، يداعبها ويطير بها إلى حيث لا تدري المصير... حرمتك بيدي ما كنت أتلمسه وأصبو إليه دونما النظر إلى حق روح روحي التي صعدت إلى السماء فبقيت جسدا مجردا من الروح لا يخفق ولا يدق قلبه لأحد سواك.. وكأن الحياة توقفت مثل عقارب الزمان وأنشودة المكان لابتعادي عن أقدم عاصمة على وجه الأرض.. هي دمشق.. طوق الياسمين النضر...